مرض الوسواس القهرى

مرض الوسواس القهرى

أنا طالب في السنة الرابعة بكلية الطب .. عمرى الآن 25 سنة .. ويجب أنك لاحظتي  أنني متأخر في الدراسة!

حقاً .. فأنا رسبت عدة سنوات وتراودني دائماً فكرة ترك الكلية وعدم استكمال دراستي بها، لكن بكاء والدتي هو الذي يحول دون ذلك ..

سيدتي .. قصتي بدأت منذ الطفولة .. فنحن أربع أخوة أنا أصغرهم .. نعيش في مستوى اجتماعي متوسط .. والدي يسابق الزمن ليلبي لنا طلباتنا المتلاحقة.

ولكن أمي شخصية متسلطة .. لا تعجبها أية تصرفات لي، ولا تكف عن انتقادي منذ كنت طفلاً .. فقد كنت من المتفوقين دائماً، ورغم ذلك فإنها كانت توبخني وتهينني لأنني لم أحصل على الدرجات النهائية!

كان هذا التوبيخ يزيد يوماً بعد يوم .. لدرجة أنني كنت أفضل أن تختار لي ملابسي حتى أتخلص من انتقاداتها إذا اخترتها بنفسي!

أما ما كان يؤلمني كثيراً هو عدم اهتمامها بوالدي .. حيث كانت دائمة اللوم الشديد له لأنه كان غالباً ما يجد صعوبة في الوفاء باحتياجاتنا، فكانت تتهمه بضعف الشخصية وقلة الطموح، وكان والدي شديد التحمل، ولكنني كنت أكره فيه خضوعه لوالدتي وعدم قدرته على مواجهتها.

ومرت الايام .. ونجحت بتفوق في الثانوية العامة وبمجموع ألحقني بكلية الطب .. واجتزت النصف الأول من السنة الأولى بنجاح، إلا أنني كنت أتصرف تصرفات غريبة، فقد كنت أعد الشجر وأعمدة النور في طريقي من البيت إلى الكلية، وأعد السلالم التي تقودني إلى المدرج، استغربت من تلك التصرفات إلا أنني لم أستطع أن أبوح بها لأحد حتى لا يتهمونني بالجنون، لذلك فضلت تقليل ذهابي إلى الكية وأصبحت أذاكر في البيت، واستطعت أن أتخطى النصف الثاني من السنة بنجاح أيضاً.

في هذا الوقت حاولت أن أخرج من عزلتي ومن سيطرة أمي عليّ، فتمردت عليها وأصبحت أرفض أسلوبها الذي كنت أقبله من قبل، كما سيطرت فكرة غريبة نوعاً على تفكيري، فقد كنت أتجنب الجلوس مع والدي ووالدتي على مائدة الطعام حتى لا يلوثني الرذاذ الخارج من فمهما .. وكنت حينما اختلط بأحد أغسل وجهي عدة مرات حتى أتأكد من نظافتي .. كذلك كنت أرفض أن يقبلني أحد حتى أمي .. وحتى إذا كنت لم أرها منذ وقت طويل!

منذ ذلك الوقت اقتنعت أمي أن معاملتها لي يجب أن تتغير، وبالفعل تغيرت وأصبحت تعاملني معاملة حسنة، لكنها كانت متأخرة جداً!

أصبحت إنساناً غريب الأطوار .. كنت أحاول ألا آكل كثيراً حتى لا أضطر إلى دخول الحمام .. أقضي معظم الوقت في تنظيف نفسي ومكاني .. وأستغرق في الاستحمام ساعات طويلة تصل أحياناً إلى أربع ساعات أشهر بعدها بإرهاق شديد فأنام .. أصبحت لا أجد الوقت الكافي للمذاكرة، وتدهور مستواي الدراسي وأصبحت أجتاز السنة في سنتين!

مرت السنوات عليّ بطيئة وأخواتي من حولي متفوقون في دراستهم .. إلى أن انتهوا منها وأنا لا زلت في الكلية أعاني .. لم أجد بديلاً عن أن أحفظ الكتب الدراسية “من الجلدة إلى الجلدة”، لدرجة أنني كنت أقوم من النوم في وسط الليل لأنني نسيت كلمة. وإذا نسيت من الفقرة كلمة واحدة فإنني أعيد حفظها من جديد، ومنعني ذلك من دخول الامتحان سنتان متتاليتان.

أخلت حياتي وأصبحت شخصاً فاشلاً .. تركت الصلاة .. وبدأت أتشكك في وجود الله .. بالله عليك ماذا حل بي؟! هي أصبت بالجنون أم بالكفر؟!

الرأي الطبي :

عزيزي طالب الطب :

أنت مصاب باضطراب نفسي يسمى الوسواس القهري .. وهو مرض نفسي يحدث نتيجة لخلل في كيمياء الدماغ، مما يجعلك لا تستطيع السيطرة على أفكارك فتستسلم لها, وينتج عن ذلك طقوس حركية تساعدك على تقليل عوامل القلق المصاحبة للأفكار الوسواسية، وقد تتساءل .. لماذا أصبت بهذا المرض؟!

في عجالة سريعة أرى أن العوامل الاجتماعية كمعاملة والدتك القاسية والحادة والناقدة لك وبصورة مبالغ فيها قد أفرز لديك إحساساً بالقلق والتوتر الزمن الذي ساعد على ظهور الأعراض الوسواسية التي غالباً ما تبدأ في الظهور في الطفولة المبكرة، ولكن لخوفك من أمكن فقد أسرتها في نفسها.